ينبوع النور (8)
الفصل 196: ينبوع النور (8)
تم إنشاؤها بإستخدام بقايا الإمبراطور المقدس.
بعد إخفاقات لا حصر لها، ولدتْ نسخةٌ طبق الأصل شبه مثالية —- طفل مهجور في دير. أظهرت روحها كفاءةً وتناغمًا أكبر من التجارب الحالية. أُعطيَّتْ بقايا انيسيه، التي ظلت سرية للغاية، للنسخة المتماثلة، ولم تكن النتيجة فاشلة. أظهرت الطفلة، وهي نسخة من انيسيه، انسجامًا مثاليًا تقريبًا مع البقايا المقدسة.
واجه يوجين صعوبة في التوصُّلِ إلى فهم. إنه بيان بعيد عن أي مجال من مجالات الفهم.
“ماذا تقصدين بـ….” لكنه لم يُعطَ الفرصة لإنهاء كلامه. حيث صارت شفتاها فجأة أمامه وضغطت على شفتاه.
لا….تعال للتفكير في الأمر، ربما هذا لا يصعب فهمه بعد كل شيء. يوجين ساحرٌ تعلم السحر في مملكة أروث السحرية من خلال دراسة الكتب ومراكمة المعرفة السحرية.
القديسة كائن غير كامل. في كل مرة تجلب فيها معجزة، تظهر ندبة غير محفورة بيد بشرية على جسدها الصغير. على الرغم من أن الندبة هي بطول كف اليد فقط، إلا أن المتعصبين لم يشككوا أبدا في أن الندبات هي دليل على إيمانهم. من خلال وجود الندبات، اعتقدوا أن النور يعتني بهم وأن أفعالهم ليست غير أخلاقية.
إنه أمرٌ معروفٌ أن التجارب السحرية التي أجريت على البشر كانت شائعة منذ ثلاثمائة عام. في تلك الأوقات الفوضوية، أجرى السحرة السود تجارب على البشر دون تردد. ولكن على الرغم من أن التجارب البشرية كانت أكثر شيوعا خلال الحقبة الفوضوية، إلا أن هذا لا يعني أن التجارب البشرية لم توجد في أوقات أخرى. بدلا من ذلك، مثل هذه التجارب موجودة في أي عصر، وليس مُجروا هذه التجارب دائمًا سحرةً سود أيضًا.
هناك العديد من المجانين بين السحرة، وغالبًا ما يتجاهل هؤلاء السحرة الأخلاق لإرضاء فضولهم أو إلهامهم السحري. ومع ذلك، لا يهم ما هي رؤيتهم إلا أنها لا تبرر الجنون الغبي، اللاإنسانية أو تجاهل الأخلاق. لو أن الخيال هو كل ما يتطلبه الأمر، فَـحتى يوجين يمكنه التوصل إلى العديد من الأفكار التي قد تثير الاستياء في الممارسة العملية.
تذكر يوجين ظهر انيسيه العاري من الماضي. تعمقت الندب وانتشرت مع كل معجزة تسببت فيها. علاوة على ذلك، انيسيه هي وجود خاص في يوراس. غنها فريدة من نوعها حتى بين العديد من القديسات التي كُنَّ موجودات منذ الماضي البعيد، والمعجزات التي أنتجتها هي الأعظم إلى حد بعيد.
لوضعها في منظورها الصحيح، أُعتُبِرتْ التجارب السحرية التي أجريت على البشر من المحرمات، لكن الأمر نفسه ليس صحيحا مع التجارب على الوحوش. لو تمكن المرء من تجاهل التردد والنفور الذي سيشعر به في أعماق قلبه، فيمكن لأي ساحر ببساطة قطع وتعديل وحش والتلاعب به. لذلك فَـالفكرة نفسها بسيطة: إجراء نفس التجربة بالضبط، دون أي تغييرات، وببساطة استبدال الوحش مع الإنسان.
احتوت بقايا الإمبراطور المقدس على قدر هائل من القوة الإلهية التي لا يمكن لأي كاهن أن يأمل في إحتوائها. بغض النظر عن مدى إخلاص الكاهن للضوء ومدى تكريسه في صلواته، لن يتمكن أبدا من امتلاك أي شيء قريب من القوة الإلهية الموجودة مباشرة في البقايا المقدسة.
“أوه يا عزيزي….” تمتمت انيسيه وهي تهز رأسها بتعبير صادق من الأسف. “هل تعتقد أنها حقًا أول مرةٍ لك؟”
عندما فكر يوجين في الأمر على هذا النحو، إستطاع فهم كل ما ذكرته انيسيه بسهولة بالغة. تم صنع القديسة الأولى بإستخدام بقايا الإمبراطور المقدس. تم زرع أقدم وأعلى قيمة من بقايا يوراس المقدسة في جسد فتاة شابة غير ناضجة. تم تطعيم ضلع من الإمبراطور المقدس في القديسة الأولى.
رفات الإمبراطور المقدس ثمينة للغاية لدرجة أنه نادرًا ما تم لمسها منذ إنشاء القديسة الأولى. بدلا من ذلك، أخذت بقايا القديسة مكانها؛ من ناحية الإستقرار، من الأفضل في الواقع استخدام بقايا القديسة لإنشاء القديسة التالية. الجانب السلبي هو أن القديسة التي تُنشَأ من بقايا أخرى لا يمكنها أداء المعجزات بنفس الطريقة التي تفعلها القديسة الأولى.
لم تعطِ انيسيه إجابة ولكن بدلا من ذلك نظرت إلى السماء. ظلام الليل العميق أفسح المجال ببطء لضوء الصباح الخافت. بعد لحظة، انفصلت شفتيها.
احتوت بقايا الإمبراطور المقدس على قدر هائل من القوة الإلهية التي لا يمكن لأي كاهن أن يأمل في إحتوائها. بغض النظر عن مدى إخلاص الكاهن للضوء ومدى تكريسه في صلواته، لن يتمكن أبدا من امتلاك أي شيء قريب من القوة الإلهية الموجودة مباشرة في البقايا المقدسة.
“لم ألوم أيًّ منكم أبدا على موتي. كل واحد منكم قال مرات لا تحصى على طول الطريق أنه سيكون خطرًا عليَّ التقدم إلى أبعد من ذلك. أراد الجميع التراجع وإعادة التنظيم. لكن، كان خياري لرفض آرائكم.” أجاب يوجين بحزم: “لقد كان خياري الإستمرار إلى الأمام، ومُتُّ بسبب أفعالي.”
“أنتِ….” أطلق يوجين تنهيدة طويلة. “لا يمكنكِ الذهاب إلى الجنة.”
وهكذا، تم صنع القديسة. من الأنسب أن تسمى القديسة التجسد المُقَلَد، وفي الوقت نفسه، إنها سلاحٌ مقدس قادر على إنتاج معجزات لا حصر لها. أمكن للقديسة وحدها أن تراقب الأديان والزنادقة الأخرى التي عارضت يوراس، والعديد من غير المؤمنين فُتِنوا بوجودها وتحولوا إلى يوراس.
“أوي، أوي!” صرخ.
قالت انيسيه: “لم يعيشوا طويلا أبدا.”
“…تمامًا كما أنا مميزة، هذه الطفلة مميزةٌ أيضًا.”
“….آه….”
هذا متوقع. إله النور مشبع بجسد فتاة عادية من خلال وسيلة رفات الإمبراطور المقدس. على الرغم من أن القديسة يمكن أن تخلق المعجزات، إلا أنها لا تستطيع أن تعيش طويلا بسبب عبء حِمل النور.
لكن انيسيه لم ترغب في التعاون مع موضوع ازدرائها. منذ أن تم الاعتناء بثلاثة ملوك شياطين، أرادت التخلي عن الشعور بالمسؤولية الذي لازمها. حسنا، هذا ما أرادت، ولكن في طريقها إلى قبر رفيقها الوحيد المتوفى، تذكرت كيف كان يتبجح بينما يهدد بقتل جميع ملوك الشياطين. تذكرت المرتزق الجاهل عديم الأخلاق.
تابعت انيسيه، “لكن القديسة الأولى مثلت شيئا رائعا للمتعصبين القدماء وأعمالهم المجنونة. لقد وجدوا الفرح في خلق تجسيد للنور بأيديهم، وشعروا بسعادة غامرة لأن خلقهم سيكتسب أثرًا من الأصل.”
“كنتُ مميزة.” واصلت بعد توقف. صوتها واضح، لكن انيسيه لم تَعُد تبتسم. “كان الأمر كذلك منذ صغري. خلال تلك الحقبة، كان هناك مرشحون آخرون غير معروفين للعالم، لكن….كنتُ الأكثر تميزا بينهم جميعا.”
القديسة كائن غير كامل. في كل مرة تجلب فيها معجزة، تظهر ندبة غير محفورة بيد بشرية على جسدها الصغير. على الرغم من أن الندبة هي بطول كف اليد فقط، إلا أن المتعصبين لم يشككوا أبدا في أن الندبات هي دليل على إيمانهم. من خلال وجود الندبات، اعتقدوا أن النور يعتني بهم وأن أفعالهم ليست غير أخلاقية.
لكن في مرحلة ما، بدأ في السماح لشيء أكثر بالولوج إلى قلبه. بدأ يفكر في إنقاذ العالم. من المحتم أن يموت الناس في ساحة المعركة، لكنه….أراد أن يموت عدد أقل من الناس. بدلًا من التركيز فقط على قتل ملوك الشياطين، بدأ يتخيل كيف سيكون العالم بعد هزيمة ملوك الشياطين.
“تبع الكثير القديسة الأولى. تم إنشاؤهم، وماتوا. صارت رفاتهم من الآثار المقدسة لتكون بمثابة حاويات للنور و….تم زرع الرفات في الجيل القادم من المرشحين.” شرحت انيسيه.
التغيير.
رفات الإمبراطور المقدس ثمينة للغاية لدرجة أنه نادرًا ما تم لمسها منذ إنشاء القديسة الأولى. بدلا من ذلك، أخذت بقايا القديسة مكانها؛ من ناحية الإستقرار، من الأفضل في الواقع استخدام بقايا القديسة لإنشاء القديسة التالية. الجانب السلبي هو أن القديسة التي تُنشَأ من بقايا أخرى لا يمكنها أداء المعجزات بنفس الطريقة التي تفعلها القديسة الأولى.
وهكذا، أنجبت يوراس تجسيدا تقليديًا قريبًا من الكمال. ولدت مع ندبات قوية بشكل لا يصدق، حتى بالمقارنة مع القديسة الأولى، ونمت الندبات أكثر قوة وأكبر مع كل معجزة تم استدعاؤها. علاوة على ذلك، فإن وجودها ذاته يستحق أن يطلق عليه دليل على الألوهية لأنها تستطيع نقل ونقش الندبات على كهنة رفيعي المستوى والسماح لهم بإنتاج معجزات أقل أيضا.
التغيير.
وهكذا، تم استكمال صلاحياتهم بإستخدام طرق أخرى.
حوَّلتْ إمبراطورية يوراس المقدسة جثة انيسيه إلى بقايا. ولكن بدلا من زرعها في القديسة، سعوا إلى استنساخ الشخص الذي اقترب من الكمال. على مدار ثلاثمائة عام، حدثت العديد من الإخفاقات. لم يتعلق الأمر بِـهل للإستنساخ روح لأن الأرواح يمكن استخراجها وزرعها. المشكلة الأكثر دموية والأكثر صعوبة في التغلب عليها هي التوافق بين الروح والجسد المستنسخ.
اكتسب يوراس أنواعًا عديدة من السحر أثناء الصيد من الماضي، لكن غنائمهم لم تقتصر على السحر فقط. في بحثهم المتهور عن السحرة السود والسحرة العاديين، حصل محققوا يوراس على أبحاث السحرة والنتائج المقابلة. بالإضافة إلى ذلك، تم تعذيب العديد من السحرة الأسرى وإستعبادهم بدلا من قتلهم.
لكن في مرحلة ما، بدأ في السماح لشيء أكثر بالولوج إلى قلبه. بدأ يفكر في إنقاذ العالم. من المحتم أن يموت الناس في ساحة المعركة، لكنه….أراد أن يموت عدد أقل من الناس. بدلًا من التركيز فقط على قتل ملوك الشياطين، بدأ يتخيل كيف سيكون العالم بعد هزيمة ملوك الشياطين.
وهكذا، تم استكمال صلاحياتهم بإستخدام طرق أخرى.
مع هذه المساعدة، حققت دراسة خلق التجسد المُقَلد تقدمًا كبيرًا. على وجه الخصوص، من بين الجوائز التي تم الحصول عليها من الصيد السحري، الأكثر قيمة هو سحر الدم. من خلال الجمع بين سحر الدم ونتائج الأبحاث الأخرى، ابتكرت يوراس طريقة لتلقيح القديسة بمزيد من القوة الإلهية.
“لكنكِ….”
والنتيجة النهائية هي ينبوع النور. طالما استمرت القديسات الجديدات في الولادة، فإن الينبوع لن يجف أبدا.
حتى في لحظة وفاته، لم يترك أي إرادة لرفاقه. لم يعتقد أن ذلك ضروري لأن هامل قد إعتقد حقا أن بقية رفاقه سيقضون على جميع ملوك الشياطين. وأعرب عن ثقته في أن العالم سيحقق السلام، تمامًا كما آمَلوا جميعا.
“في النهاية، الجميع يكذبون.” قالت انيسيه بإبتسامة: “حتى الندبات من البابا والكرادلة لا تمنح مباشرة إليهم من قبل الإله. إنها ببساطة نقوش اصطناعية منسوخة من الندبات التي تظهر على القديسة، محفورة من قبل كهنة مختارين بعناية لن يكشفوا السر أبدا لأنهم متعصبون ومستقيمون للنور. لا تحتوي الندبات الاصطناعية في الواقع على أي قوة. ومع ذلك….”
تذكر يوجين ظهر انيسيه العاري من الماضي. تعمقت الندب وانتشرت مع كل معجزة تسببت فيها. علاوة على ذلك، انيسيه هي وجود خاص في يوراس. غنها فريدة من نوعها حتى بين العديد من القديسات التي كُنَّ موجودات منذ الماضي البعيد، والمعجزات التي أنتجتها هي الأعظم إلى حد بعيد.
“….”
“نعم.” أجابت انيسيه بإبتسامة. “جسدي مات، لكن روحي بقيت. حاول النور أن يقودني إلى الجنة، لكنني رفضت الصعود. تمامًا هكذا، بقيت في هذا العالم.” توقفت، ثم حولت عينيها نحو كريستينا، مستمرة “…وإستطعتُ العيش في هذه الطفلة.”
“كنتُ مميزة.” واصلت بعد توقف. صوتها واضح، لكن انيسيه لم تَعُد تبتسم. “كان الأمر كذلك منذ صغري. خلال تلك الحقبة، كان هناك مرشحون آخرون غير معروفين للعالم، لكن….كنتُ الأكثر تميزا بينهم جميعا.”
بدا من المؤلم لِـيوجين أن يستمع إلى كلماتها. أسقط عينيه وشد قبضتيه، راغبًا في قول شيء ما، لكن شفتيه رفضتا الانفصال. بعد فترة، تمكن أخيرا من التحدث.
من المحتم أن تكون مميزة.
لا….تعال للتفكير في الأمر، ربما هذا لا يصعب فهمه بعد كل شيء. يوجين ساحرٌ تعلم السحر في مملكة أروث السحرية من خلال دراسة الكتب ومراكمة المعرفة السحرية.
مع إنشاء ينبوع النور، أصبحت الإخفاقات في خلق القديسة قليلة ومتباعدة. ومع ذلك، لا يزال من المستحيل توسيع حدودها بشكل مصطنع. من أجل خلق تجسيد مقلد مناسب من القديسة، من الضروري استخدام الآثار المقدسة للإمبراطور المقدس. ولكن على الرغم من أن إضفاء قوة رفات الإمبراطورية المقدسة قد تمت تجربته عدة مرات منذ القديسة الأولى، إلا أنه لم يؤدِ أبدا إلى نجاح حقيقي.
“في النهاية، ضحيتَ بنفسك، وهربتُ لأنني لم أرغب في التضحية بنفسي. هامل، أنا متقلبة جدا، ولم يكن هناك…..سبب خاص وراء خياري. كانت أشعة الشمس في الصحراء حارقة ومشرقة. لأقول لك الحقيقة، محاولة العثور على قبرك مثَّلت تحديًا. كانت سيينا في عزلة….أو بالأحرى، عُرِفَ أنها في عزلة، لذلك اضطررت للتجول في الصحراء، والتحسس من خلال ذكرياتي.”
“نعم. هذا صحيح، هامل. كما تقول، كان على شخص ما أن يأخذ زمام المبادرة ويفتح الطريق، وأنت أيضًا محق في أنك الشخص المناسب للمهمة. ونتيجة لذلك، مُت.” قال انيسيه.
لذلك تم ابتكار طريقة أخرى. نظرًا لأنه من المستحيل على التجسد المقلد الحمل، تم زرع جنين غير ناضج في رحمهم بدلًا من ذلك. بعد تجربة العديد من الإخفاقات واستخدام جميع أنواع السحر الإلهي والطبيعي، وُلِدَ طفل أخيرا من التجسد المقلد.
“أعتقد أن كل شيء ظل تحت إشراف النور. لقد ضُلِلَ المؤمنون بالنور، لكنه لا يزال يحب جميع مؤمنيه ويقدم لنا هداية النور. ومن خلال هذه المعجزة، تم اقتيادي إليك. لكي يتم إختيارك من قبل السيف المقدس، ولكي لا يفقد السيف المقدس نوره هنا….كل هذا هو إرادة النور. المهمة التي فشلنا في إنجازها قبل ثلاثمائة عام، أنتَ سـ—”
بعد إخفاقات لا حصر لها، ولدتْ نسخةٌ طبق الأصل شبه مثالية —- طفل مهجور في دير. أظهرت روحها كفاءةً وتناغمًا أكبر من التجارب الحالية. أُعطيَّتْ بقايا انيسيه، التي ظلت سرية للغاية، للنسخة المتماثلة، ولم تكن النتيجة فاشلة. أظهرت الطفلة، وهي نسخة من انيسيه، انسجامًا مثاليًا تقريبًا مع البقايا المقدسة.
خضع المولود لجميع أنواع التجارب الرهيبة منذ سن مبكرة. حتى قبل أن تتمكن من المشي، أُحتُضِنَتْ في ينبوع النور، وأُجبِرَتْ على التشبث بلهب حياتها الوامض. بعد ذلك، تم زرع القليل المتبقي من رفات الإمبراطور المقدس في جسد الطفل شيئا فشيئا. العظام طُحِنت وغرقت في جروح الطفل، وتم حفر الدم بإستخدام سحر الدم في قلب الطفل.
لقد رأتْ الكثير….الكثير جدًا.
وهكذا، أنجبت يوراس تجسيدا تقليديًا قريبًا من الكمال. ولدت مع ندبات قوية بشكل لا يصدق، حتى بالمقارنة مع القديسة الأولى، ونمت الندبات أكثر قوة وأكبر مع كل معجزة تم استدعاؤها. علاوة على ذلك، فإن وجودها ذاته يستحق أن يطلق عليه دليل على الألوهية لأنها تستطيع نقل ونقش الندبات على كهنة رفيعي المستوى والسماح لهم بإنتاج معجزات أقل أيضا.
“كنتُ مميزة.” واصلت بعد توقف. صوتها واضح، لكن انيسيه لم تَعُد تبتسم. “كان الأمر كذلك منذ صغري. خلال تلك الحقبة، كان هناك مرشحون آخرون غير معروفين للعالم، لكن….كنتُ الأكثر تميزا بينهم جميعا.”
بدا من المؤلم لِـيوجين أن يستمع إلى كلماتها. أسقط عينيه وشد قبضتيه، راغبًا في قول شيء ما، لكن شفتيه رفضتا الانفصال. بعد فترة، تمكن أخيرا من التحدث.
“لقد كرهتُ هذه الأمة.” همست انيسيه. “لم أشعر أبدا بأي حب لها. في الواقع، أردت من الشياطين وملوك الشياطين أن يقضوا على هذا البلد تماما.”
مع إنشاء ينبوع النور، أصبحت الإخفاقات في خلق القديسة قليلة ومتباعدة. ومع ذلك، لا يزال من المستحيل توسيع حدودها بشكل مصطنع. من أجل خلق تجسيد مقلد مناسب من القديسة، من الضروري استخدام الآثار المقدسة للإمبراطور المقدس. ولكن على الرغم من أن إضفاء قوة رفات الإمبراطورية المقدسة قد تمت تجربته عدة مرات منذ القديسة الأولى، إلا أنه لم يؤدِ أبدا إلى نجاح حقيقي.
“…..”
“لقد فهمت هذا بالفعل، لذا إعتَذِري قبل أن تذهبي!” هدر يوجين، ممسكًا بيدها. “إعتذري عن وصفي بأنني معتوه أكبر من مولون! و.…و….تلك، الآن فقط، كانت المرة الأولى لي….”
وتابعت: “لو كنت قد عشت في يوراس فقط، لَـعشت مع مثل هذه الكراهية طوال حياتي. ومع ذلك….لقد أتيحت لي الفرصة لمغادرة يوراس. تم إختيار السير فيرموث من قبل السيف المقدس، وتم إختياري للانضمام إليه في رحلته كقديسة. هامل، ما هي أنواع الأشياء التي تعتقد أنني شعرت بها وإختبرتها في تلك الرحلة؟”
“لقد غيرتُ رأيي فقط.” قالت انيسيه بإبتسامة وهي تهز رأسها: “لا أحب فكرة التضحية، ولم أرغب في تكريس نفسي ليوراس، المكان الذي احتقرته. ومع ذلك….في تلك الصحراء، في طريقي إلى قبرك، صُدِمتُ بفكرة مفاجئة.”
نظر يوجين بهدوء في عيون انيسيه. من الصعب تحديد أي مشاعر في تلك العيون الزرقاء. كان الأمر كذلك في حياته السابقة. انيسيه لم تكشف عن نفسها بالكامل. بدلا من ذلك، ظلتْ دائما تدفن مشاعرها الحقيقية وراء ابتسامتها السميكة والمقدسة.
“لقد كرهتُ هذه الأمة.” همست انيسيه. “لم أشعر أبدا بأي حب لها. في الواقع، أردت من الشياطين وملوك الشياطين أن يقضوا على هذا البلد تماما.”
“…على الرغم من أعمال يوراس الرهيبة، شعرت أن الإله حقيقي. في نهاية المطاف جئت إلى الاعتقاد بأن المعجزات موجودة حقا. لقد احتقرت وجودي وكل شيء عني. بدا كل شيء مروعًا لي. لكنني أدركت أن العالم أكثر كارثية وإثارة للشفقة.”
تابعت انيسيه، “لكن القديسة الأولى مثلت شيئا رائعا للمتعصبين القدماء وأعمالهم المجنونة. لقد وجدوا الفرح في خلق تجسيد للنور بأيديهم، وشعروا بسعادة غامرة لأن خلقهم سيكتسب أثرًا من الأصل.”
“هممم.” زاوية فمها إلتفَّتْ بإبتسامة بينما نظرت انيسيه إلى يوجين. ثم قالت: “أرى أنك لا تزال كما كانت من قبل.”
لقد رأتْ الكثير….الكثير جدًا.
“لكنكِ….”
“لم أرغب أبدًا في الاعتراف بذلك، لكن في تلك الأيام، كنا نحن المعجزات. سيدي فيرموث، سيينا، مولون، أنا وأنت يا هامل. كنا جميعا معجزات. إمتلكنا القدرة على إنقاذ العالم، وقد أنقذناه، على الرغم من أنه ناقص قليلا. ما فشلنا في إنقاذه هو….أولئك الذين ماتوا بالفعل. وأنت يا هامل.”
“لقد كرهتُ هذه الأمة.” همست انيسيه. “لم أشعر أبدا بأي حب لها. في الواقع، أردت من الشياطين وملوك الشياطين أن يقضوا على هذا البلد تماما.”
لم يتمكن يوجين من العثور على أي كلمات ليقولها.
ثم بدأت تختفي.
“نعم.” أجابت انيسيه بإبتسامة. “جسدي مات، لكن روحي بقيت. حاول النور أن يقودني إلى الجنة، لكنني رفضت الصعود. تمامًا هكذا، بقيت في هذا العالم.” توقفت، ثم حولت عينيها نحو كريستينا، مستمرة “…وإستطعتُ العيش في هذه الطفلة.”
“أنا متأكد من الأمر هو نفسه بالنسبة لنا جميعا. في تلك الرحلة، شعر الجميع بشيء، و….تغير الجميع. جئت إلى الاعتقاد والإعتماد على الإله. بدأت أتوق إلى الجنة، وقد إمتلكتُ طموحًا لقيادة الجميع إلى الجنة أيضا.” أوضحت انيسيه.
لوضعها في منظورها الصحيح، أُعتُبِرتْ التجارب السحرية التي أجريت على البشر من المحرمات، لكن الأمر نفسه ليس صحيحا مع التجارب على الوحوش. لو تمكن المرء من تجاهل التردد والنفور الذي سيشعر به في أعماق قلبه، فيمكن لأي ساحر ببساطة قطع وتعديل وحش والتلاعب به. لذلك فَـالفكرة نفسها بسيطة: إجراء نفس التجربة بالضبط، دون أي تغييرات، وببساطة استبدال الوحش مع الإنسان.
قاطعها يوجين فجأة. “أنتِ وسيينا كتبتما القصة الخيالية معًا، أليس كذلك؟”
التغيير.
“…انيسيه.”
يوجين لم ينكر ذلك. في مرحلة ما، تغير الغرض من رحلته أيضًا. لم يملك هامل طموحًا كبيرًا لإنقاذ العالم منذ البداية. أراد ببساطة الإنتقام. منذ أن تم إلقاء العالم في القرف ومعه، أراد أن يعاني المسؤولون — الشياطين وملوك الشياطين — بنفس الطريقة التي عانى بها.
احتوت بقايا الإمبراطور المقدس على قدر هائل من القوة الإلهية التي لا يمكن لأي كاهن أن يأمل في إحتوائها. بغض النظر عن مدى إخلاص الكاهن للضوء ومدى تكريسه في صلواته، لن يتمكن أبدا من امتلاك أي شيء قريب من القوة الإلهية الموجودة مباشرة في البقايا المقدسة.
لكن في مرحلة ما، بدأ في السماح لشيء أكثر بالولوج إلى قلبه. بدأ يفكر في إنقاذ العالم. من المحتم أن يموت الناس في ساحة المعركة، لكنه….أراد أن يموت عدد أقل من الناس. بدلًا من التركيز فقط على قتل ملوك الشياطين، بدأ يتخيل كيف سيكون العالم بعد هزيمة ملوك الشياطين.
بدا من المؤلم لِـيوجين أن يستمع إلى كلماتها. أسقط عينيه وشد قبضتيه، راغبًا في قول شيء ما، لكن شفتيه رفضتا الانفصال. بعد فترة، تمكن أخيرا من التحدث.
“كانت قلعة ملك الحصار الشيطاني فظيعة. لم يكن مكانا مناسبا لِـفيرموث لأخذ زمام المبادرة. الشيء نفسه مع مولون، بالطبع، لأنه كان معتوهًا تمامًا. لو توجب على شخص ما أن يأخذ زمام المبادرة ويفتح الطريق….فقد كُنتُ أكثر ملاءمة للقيام بذلك. لا أريد التحدث عن ذلك الآن. لقد وافق الجميع حينها.”
“أنتِ….” أطلق يوجين تنهيدة طويلة. “لا يمكنكِ الذهاب إلى الجنة.”
“….كان الوقت مبكرا جدا.” قالت انيسيه بإبتسامة لطيفة: “في الحقيقة، ربما كان بإمكاني الذهاب إلى الجنة. الأجنحة على ظهري….دليل على ذلك. هامل، لذلك ليس عليك أن تشعر بالأسف من أجلي، ولا يجب أن تكون حزينًا. لقد إخترتُ عدم الذهاب إلى الجنة بمحض إرادتي.”
بدا من المؤلم لِـيوجين أن يستمع إلى كلماتها. أسقط عينيه وشد قبضتيه، راغبًا في قول شيء ما، لكن شفتيه رفضتا الانفصال. بعد فترة، تمكن أخيرا من التحدث.
“لِـمَ لا؟” سأل يوجين. هناك أشياء معينة لا يستطيع فهمها. انيسيه قوية. مهما حاولت الإمبراطورية المقدسة، من المستحيل القبض على انيسيه إذا قاومت.
ليست انيسيه فقط، أيضًا. ينبوع النور، مصدر الينبوع، وكل شيء من حولهم تناثر إلى ضوء. ارتفع ضوءٌ يتلاشى في سماء الصباح، وظلام الليل إنقشع أخيرًا. لقد بدا مشهدًا جميلًا حقًا، ولكن بدلًا من النظر لأعلى، ظل يوجين يداعب شفتيه بلطف.
حوَّلتْ إمبراطورية يوراس المقدسة جثة انيسيه إلى بقايا. ولكن بدلا من زرعها في القديسة، سعوا إلى استنساخ الشخص الذي اقترب من الكمال. على مدار ثلاثمائة عام، حدثت العديد من الإخفاقات. لم يتعلق الأمر بِـهل للإستنساخ روح لأن الأرواح يمكن استخراجها وزرعها. المشكلة الأكثر دموية والأكثر صعوبة في التغلب عليها هي التوافق بين الروح والجسد المستنسخ.
“لقد عشت في الإمبراطورية المقدسة لفترة طويلة، ثم قررت فجأة الشروع في الحج. فلماذا….؟ ماذا حدث لك؟ لماذا انتهى بك الأمر هكذا؟ ولماذا كريستينا….” ألقى يوجين وابلًا من الأسئلة. لم يستطع أن يفهم.
“تبع الكثير القديسة الأولى. تم إنشاؤهم، وماتوا. صارت رفاتهم من الآثار المقدسة لتكون بمثابة حاويات للنور و….تم زرع الرفات في الجيل القادم من المرشحين.” شرحت انيسيه.
قالت انيسيه: “جاء كهنة يوراس لإقناعي بينما أنا أتجول في الصحراء.” الفجر يصعد، وإستمرت انيسيه مع ظهرها إلى النور، “هذا….عندما قررت أن أكون متقلبة. عُدتُ إلى يوراس معهم وأخذت حياتي الخاصة. لم تكن لدي رغبة أو نية في إنجاب طفل غير مرغوب فيه مثل والدتي. كان الانتحار خيارًا إستعددتُ للقيامِ به للتمرد على هذا البلد القذر.”
لم تعطِ انيسيه إجابة ولكن بدلا من ذلك نظرت إلى السماء. ظلام الليل العميق أفسح المجال ببطء لضوء الصباح الخافت. بعد لحظة، انفصلت شفتيها.
لا….تعال للتفكير في الأمر، ربما هذا لا يصعب فهمه بعد كل شيء. يوجين ساحرٌ تعلم السحر في مملكة أروث السحرية من خلال دراسة الكتب ومراكمة المعرفة السحرية.
“حاولت أن أختفي.” قالت بإبتسامة: “…ذهبت إلى قبرك للمرة الأخيرة، وصَلَّيت، وقررت أن أختفي. ناشد البابا والكرادلة أن أضحي بنفسي من أجل التجسد المقلد التالي، لكنهم لم يتمكنوا من السيطرة علي.”
إذا قررت انيسيه أن تختفي، فلن يوقفها أحد في يوراس. في الواقع، غادرت انيسيه يوراس دون مواجهة أي مشاكل، ووصلت إلى صحراء نهاما.
بعد الوقوف لفترة طويلة دون فعل شيء، بدأ يضحك بإكتئاب.
“لقد فهمت هذا بالفعل، لذا إعتَذِري قبل أن تذهبي!” هدر يوجين، ممسكًا بيدها. “إعتذري عن وصفي بأنني معتوه أكبر من مولون! و.…و….تلك، الآن فقط، كانت المرة الأولى لي….”
“لكنكِ….”
هذا متوقع. إله النور مشبع بجسد فتاة عادية من خلال وسيلة رفات الإمبراطور المقدس. على الرغم من أن القديسة يمكن أن تخلق المعجزات، إلا أنها لا تستطيع أن تعيش طويلا بسبب عبء حِمل النور.
“لقد غيرتُ رأيي فقط.” قالت انيسيه بإبتسامة وهي تهز رأسها: “لا أحب فكرة التضحية، ولم أرغب في تكريس نفسي ليوراس، المكان الذي احتقرته. ومع ذلك….في تلك الصحراء، في طريقي إلى قبرك، صُدِمتُ بفكرة مفاجئة.”
تلك هي الكلمات الأخيرة التي نطقت بها انيسيه. وقف يوجين بغباء بينما إنهارت جسدها إلى جزيئات من الضوء. لكن الضوء لم يتلاشَ. بدلًا من ذلك، تغلغل في كريستينا.
“….”
“هامل، لقد ضحيت بنفسك من أجل العالم. أعلم أنك لن تسميها تضحية، لكن….كل من شهد موتك رأى عملك كتضحية. لقد ضحيت بحياتك من أجل العالم. كنت هكذا من قبل أيضا. لقد وقفت دائما في المقدمة بتصميم على قتل ملوك الشياطين، مع العلم جيدًا أن جسدك سَـيُدَمَر.”
بدا من المؤلم لِـيوجين أن يستمع إلى كلماتها. أسقط عينيه وشد قبضتيه، راغبًا في قول شيء ما، لكن شفتيه رفضتا الانفصال. بعد فترة، تمكن أخيرا من التحدث.
“هامل الغبي.” قالت انيسيه بينما تتلمس شفتيها قليلا بلسانها. “أنت، بطريقة ما، أغبى من مولون.”
“…فيوو.” انفصلت شفاههم بعد فترة. أطلقت انيسيه تنهيدة ودفعت صدره بعيدا. “هذا هو السبب في أنك غبي.”
“…لم يكن باليد حيلة.”
الكلمات التي قررها أخيرا بعد التردد بدت غير جذابة، حتى في رأيه.
“كانت قلعة ملك الحصار الشيطاني فظيعة. لم يكن مكانا مناسبا لِـفيرموث لأخذ زمام المبادرة. الشيء نفسه مع مولون، بالطبع، لأنه كان معتوهًا تمامًا. لو توجب على شخص ما أن يأخذ زمام المبادرة ويفتح الطريق….فقد كُنتُ أكثر ملاءمة للقيام بذلك. لا أريد التحدث عن ذلك الآن. لقد وافق الجميع حينها.”
بعد الوقوف لفترة طويلة دون فعل شيء، بدأ يضحك بإكتئاب.
“نعم. هذا صحيح، هامل. كما تقول، كان على شخص ما أن يأخذ زمام المبادرة ويفتح الطريق، وأنت أيضًا محق في أنك الشخص المناسب للمهمة. ونتيجة لذلك، مُت.” قال انيسيه.
“لكنكِ….”
“….وهكذا صرتِ ملاكًا؟” سأل يوجين أثناء التحديق في جناحيها.
“لم ألوم أيًّ منكم أبدا على موتي. كل واحد منكم قال مرات لا تحصى على طول الطريق أنه سيكون خطرًا عليَّ التقدم إلى أبعد من ذلك. أراد الجميع التراجع وإعادة التنظيم. لكن، كان خياري لرفض آرائكم.” أجاب يوجين بحزم: “لقد كان خياري الإستمرار إلى الأمام، ومُتُّ بسبب أفعالي.”
“تبع الكثير القديسة الأولى. تم إنشاؤهم، وماتوا. صارت رفاتهم من الآثار المقدسة لتكون بمثابة حاويات للنور و….تم زرع الرفات في الجيل القادم من المرشحين.” شرحت انيسيه.
“لكن هل إعتقدتَ أننا لن نحزن على موتك؟” سألت انيسيه.
لكن انيسيه لم ترغب في التعاون مع موضوع ازدرائها. منذ أن تم الاعتناء بثلاثة ملوك شياطين، أرادت التخلي عن الشعور بالمسؤولية الذي لازمها. حسنا، هذا ما أرادت، ولكن في طريقها إلى قبر رفيقها الوحيد المتوفى، تذكرت كيف كان يتبجح بينما يهدد بقتل جميع ملوك الشياطين. تذكرت المرتزق الجاهل عديم الأخلاق.
يوجين ينظر إلى الأمام. الشمس تطل ببطء من سباتها من مسافة بعيدة.
ردت انيسيه بابتسامة لم تتغير: “ربما لا تعرف هذا يا هامل، لكن الثعابين هي أيضا رموز للتَجدُدِ والحياة الأبدية.” لم تظهر عليها أي علامات إستياء. “في الواقع لم أكن أنوي حدوث كل هذا. اخترت عدم الصعود إلى السماء….لأنني اعتقدت أنني ما زلت لا أستحق. والسبب الذي جعلني أسكن في هذا الطفل هو….”
“في النهاية، ضحيتَ بنفسك، وهربتُ لأنني لم أرغب في التضحية بنفسي. هامل، أنا متقلبة جدا، ولم يكن هناك…..سبب خاص وراء خياري. كانت أشعة الشمس في الصحراء حارقة ومشرقة. لأقول لك الحقيقة، محاولة العثور على قبرك مثَّلت تحديًا. كانت سيينا في عزلة….أو بالأحرى، عُرِفَ أنها في عزلة، لذلك اضطررت للتجول في الصحراء، والتحسس من خلال ذكرياتي.”
قالت انيسيه: “لم يعيشوا طويلا أبدا.”
ضحكت انيسيه بينما تستعيد ذكرياتها. “مرت العديد من الأفكار في ذهني وأنا أتجول لفترة طويلة. ماذا لو اختفيتُ هكذا؟ كان من الممكن أن تكون تلك هدية سيئة ليوراس، بلا شك. ولكن ماذا في ذلك؟ أنا معجزة، لكن بغض النظر عن إختفائي أم لا، كانت يوراس ستخلق قديسة أخرى، تمامًا كما حدث من قبلي. بالطبع، ليس بإمكانهم خلق قديسة جيدة مثلي.”
عندما فكر يوجين في الأمر على هذا النحو، إستطاع فهم كل ما ذكرته انيسيه بسهولة بالغة. تم صنع القديسة الأولى بإستخدام بقايا الإمبراطور المقدس. تم زرع أقدم وأعلى قيمة من بقايا يوراس المقدسة في جسد فتاة شابة غير ناضجة. تم تطعيم ضلع من الإمبراطور المقدس في القديسة الأولى.
لو حصل العالم فقط على سلام كامل، لَـما توجب على انيسيه التفكير في مستقبل بدون وجودها.
“قبل كل شيء، السبب الأكبر لقلقي هو أنني أعرف أنني لن أعيش لفترة أطول. أنا بالفعل قريبة من الكمال، لكنني لستُ كاملةً حقا. كان مقدرًا لي أن أموت قبل مرور فترة طويلة، وأن أختفي وأصعد إلى الجنة.”
لو لم تكن على وشك الموت، لَـإستمرت انيسيه بلا قلق، سواء فيما يتعلق بوجودها أو بشأن قديسة يوراس المستقبلية. ومع ذلك، أُلزِمت انيسيه بالموت في فترة قصيرة، وهي تعلم أن الإمبراطورية المقدسة بحاجة إلى قديسة جديدة.
لذلك تم ابتكار طريقة أخرى. نظرًا لأنه من المستحيل على التجسد المقلد الحمل، تم زرع جنين غير ناضج في رحمهم بدلًا من ذلك. بعد تجربة العديد من الإخفاقات واستخدام جميع أنواع السحر الإلهي والطبيعي، وُلِدَ طفل أخيرا من التجسد المقلد.
“…..”
لكن انيسيه لم ترغب في التعاون مع موضوع ازدرائها. منذ أن تم الاعتناء بثلاثة ملوك شياطين، أرادت التخلي عن الشعور بالمسؤولية الذي لازمها. حسنا، هذا ما أرادت، ولكن في طريقها إلى قبر رفيقها الوحيد المتوفى، تذكرت كيف كان يتبجح بينما يهدد بقتل جميع ملوك الشياطين. تذكرت المرتزق الجاهل عديم الأخلاق.
قاطعها يوجين فجأة. “أنتِ وسيينا كتبتما القصة الخيالية معًا، أليس كذلك؟”
حتى في لحظة وفاته، لم يترك أي إرادة لرفاقه. لم يعتقد أن ذلك ضروري لأن هامل قد إعتقد حقا أن بقية رفاقه سيقضون على جميع ملوك الشياطين. وأعرب عن ثقته في أن العالم سيحقق السلام، تمامًا كما آمَلوا جميعا.
“لكن هل إعتقدتَ أننا لن نحزن على موتك؟” سألت انيسيه.
“من فضلك تأكد من إخبار سيينا. أنا آسفة، ولكن هذا فقط هو كيف تسير الأمور.”
ولكن، كان لا يزال هناك ملكا شياطين في العالم، وستموت انيسيه قريبا.
“آه….هاه؟ أواه….”
“يرجى الإعتذار لسيينا نيابة عني. لا أعرف هل سَـتَتَفهمُ سيينا الأمر، ولكن ماذا ستفعل؟ أنا ميتة بالفعل.”
قالت انيسيه: “جاء كهنة يوراس لإقناعي بينما أنا أتجول في الصحراء.” الفجر يصعد، وإستمرت انيسيه مع ظهرها إلى النور، “هذا….عندما قررت أن أكون متقلبة. عُدتُ إلى يوراس معهم وأخذت حياتي الخاصة. لم تكن لدي رغبة أو نية في إنجاب طفل غير مرغوب فيه مثل والدتي. كان الانتحار خيارًا إستعددتُ للقيامِ به للتمرد على هذا البلد القذر.”
وهكذا، تم صنع القديسة. من الأنسب أن تسمى القديسة التجسد المُقَلَد، وفي الوقت نفسه، إنها سلاحٌ مقدس قادر على إنتاج معجزات لا حصر لها. أمكن للقديسة وحدها أن تراقب الأديان والزنادقة الأخرى التي عارضت يوراس، والعديد من غير المؤمنين فُتِنوا بوجودها وتحولوا إلى يوراس.
“….وهكذا صرتِ ملاكًا؟” سأل يوجين أثناء التحديق في جناحيها.
“حاولت أن أختفي.” قالت بإبتسامة: “…ذهبت إلى قبرك للمرة الأخيرة، وصَلَّيت، وقررت أن أختفي. ناشد البابا والكرادلة أن أضحي بنفسي من أجل التجسد المقلد التالي، لكنهم لم يتمكنوا من السيطرة علي.”
“نعم.” أجابت انيسيه بإبتسامة. “جسدي مات، لكن روحي بقيت. حاول النور أن يقودني إلى الجنة، لكنني رفضت الصعود. تمامًا هكذا، بقيت في هذا العالم.” توقفت، ثم حولت عينيها نحو كريستينا، مستمرة “…وإستطعتُ العيش في هذه الطفلة.”
كريستينا لا تزال نائمة وعيناها مغمضتان. اقتربت منها انيسيه ولمست خد كريستينا برفق، ونظرت إليها بنظرة مليئة بالمعنى.
شعر يوجين بقشعريرة تنهمر على ظهره من إجابتها اللامبالية. قبل مرور فترة طويلة، هربت ضحكة مكتومة من شفتيه. “أنتِ حقًا امرأة تشبه الثعابين، هل تعرفين ذلك؟ لطالما تحدثت أنا وسيينا عنك من وراء ظهرك.”
“هامل، لا تشعر بالندم. هذه ليست الجنة، لكننا تمكنا من لَمِّ شملنا هكذا. على الرغم من أنني لن أتمكن من مساعدتك مباشرة، أنا….كجزء من هذه الطفلة، يمكنني أن أباركك وأحميك في رحلتك.”
ردت انيسيه بابتسامة لم تتغير: “ربما لا تعرف هذا يا هامل، لكن الثعابين هي أيضا رموز للتَجدُدِ والحياة الأبدية.” لم تظهر عليها أي علامات إستياء. “في الواقع لم أكن أنوي حدوث كل هذا. اخترت عدم الصعود إلى السماء….لأنني اعتقدت أنني ما زلت لا أستحق. والسبب الذي جعلني أسكن في هذا الطفل هو….”
“…..”
كريستينا لا تزال نائمة وعيناها مغمضتان. اقتربت منها انيسيه ولمست خد كريستينا برفق، ونظرت إليها بنظرة مليئة بالمعنى.
“كانت قلعة ملك الحصار الشيطاني فظيعة. لم يكن مكانا مناسبا لِـفيرموث لأخذ زمام المبادرة. الشيء نفسه مع مولون، بالطبع، لأنه كان معتوهًا تمامًا. لو توجب على شخص ما أن يأخذ زمام المبادرة ويفتح الطريق….فقد كُنتُ أكثر ملاءمة للقيام بذلك. لا أريد التحدث عن ذلك الآن. لقد وافق الجميع حينها.”
“أعتقد أن كل شيء ظل تحت إشراف النور. لقد ضُلِلَ المؤمنون بالنور، لكنه لا يزال يحب جميع مؤمنيه ويقدم لنا هداية النور. ومن خلال هذه المعجزة، تم اقتيادي إليك. لكي يتم إختيارك من قبل السيف المقدس، ولكي لا يفقد السيف المقدس نوره هنا….كل هذا هو إرادة النور. المهمة التي فشلنا في إنجازها قبل ثلاثمائة عام، أنتَ سـ—”
“…تمامًا كما أنا مميزة، هذه الطفلة مميزةٌ أيضًا.”
حوَّلتْ إمبراطورية يوراس المقدسة جثة انيسيه إلى بقايا. ولكن بدلا من زرعها في القديسة، سعوا إلى استنساخ الشخص الذي اقترب من الكمال. على مدار ثلاثمائة عام، حدثت العديد من الإخفاقات. لم يتعلق الأمر بِـهل للإستنساخ روح لأن الأرواح يمكن استخراجها وزرعها. المشكلة الأكثر دموية والأكثر صعوبة في التغلب عليها هي التوافق بين الروح والجسد المستنسخ.
تم إرسال النسخ الفاشلة مباشرة إلى ينبوع النور دون حتى منحها فرصة لتصير مرشحة. لكن القديسة لا يمكن أن تكون غائبة عن العالم، لذلك طرح يوراس قديسات غير مكتملة تم زرعها بالآثار التي تم إنشاؤها من نسخ أخرى غير مكتملة. بالطبع، بمجرد أن هلكن، صارت تلك القديسات جزءًا من الينبوع أيضا.
“هامل، لا تشعر بالندم. هذه ليست الجنة، لكننا تمكنا من لَمِّ شملنا هكذا. على الرغم من أنني لن أتمكن من مساعدتك مباشرة، أنا….كجزء من هذه الطفلة، يمكنني أن أباركك وأحميك في رحلتك.”
لذلك تم ابتكار طريقة أخرى. نظرًا لأنه من المستحيل على التجسد المقلد الحمل، تم زرع جنين غير ناضج في رحمهم بدلًا من ذلك. بعد تجربة العديد من الإخفاقات واستخدام جميع أنواع السحر الإلهي والطبيعي، وُلِدَ طفل أخيرا من التجسد المقلد.
بعد إخفاقات لا حصر لها، ولدتْ نسخةٌ طبق الأصل شبه مثالية —- طفل مهجور في دير. أظهرت روحها كفاءةً وتناغمًا أكبر من التجارب الحالية. أُعطيَّتْ بقايا انيسيه، التي ظلت سرية للغاية، للنسخة المتماثلة، ولم تكن النتيجة فاشلة. أظهرت الطفلة، وهي نسخة من انيسيه، انسجامًا مثاليًا تقريبًا مع البقايا المقدسة.
“….آه….”
“…..”
سُميَّتْ المستنسخة كريستينا وتمت مراقبتها عن كثب في دير حتى بلغت العاشرة من عمرها. كان من الممكن أن تؤدي نوبة واحدة أو حادثة إلى إزالتها، لكن كريستينا لم تتعرض أبدا لصدمة.
“هممم.” زاوية فمها إلتفَّتْ بإبتسامة بينما نظرت انيسيه إلى يوجين. ثم قالت: “أرى أنك لا تزال كما كانت من قبل.”
“…لم يكن باليد حيلة.”
وهكذا، تم اعتبار كريستينا ابنة الكاردينال روجرس بالتبني، وصارت المرشحة الوحيدة لمنصب القديسة في عصرها.
شعر يوجين بقشعريرة تنهمر على ظهره من إجابتها اللامبالية. قبل مرور فترة طويلة، هربت ضحكة مكتومة من شفتيه. “أنتِ حقًا امرأة تشبه الثعابين، هل تعرفين ذلك؟ لطالما تحدثت أنا وسيينا عنك من وراء ظهرك.”
“من حيث الإكتمال، هذه الطفلة متفوقة علي. لن تضطر إلى إعداد نفسها للموت، على عكسي، وستكون قادرة على العيش لفترة طويلة حقًا، تماما مثل سيينا. على الرغم من أنها لم تعاني من الندبات بعد، إلا أنها ستكون قادرة عاجلا أم آجلا على أداء المعجزات دون نزيف من ندبتها.”
“انيسيه.”
“نهاية المعجزة ليست بعيدة.” تابعت انيسيه. “قريبا، سأعود إلى هذا الطفل. لن يتغير شيء. وستكون لا تزال كريستينا روجرس، وأنا….سوف أسكن فيها ككائن روحي.”
“انيسيه.”
“…..”
“لقد غيرتُ رأيي فقط.” قالت انيسيه بإبتسامة وهي تهز رأسها: “لا أحب فكرة التضحية، ولم أرغب في تكريس نفسي ليوراس، المكان الذي احتقرته. ومع ذلك….في تلك الصحراء، في طريقي إلى قبرك، صُدِمتُ بفكرة مفاجئة.”
“هامل، لا تشعر بالندم. هذه ليست الجنة، لكننا تمكنا من لَمِّ شملنا هكذا. على الرغم من أنني لن أتمكن من مساعدتك مباشرة، أنا….كجزء من هذه الطفلة، يمكنني أن أباركك وأحميك في رحلتك.”
“…لم يكن باليد حيلة.”
“…انيسيه.”
تابعت انيسيه، “لكن القديسة الأولى مثلت شيئا رائعا للمتعصبين القدماء وأعمالهم المجنونة. لقد وجدوا الفرح في خلق تجسيد للنور بأيديهم، وشعروا بسعادة غامرة لأن خلقهم سيكتسب أثرًا من الأصل.”
“أعتقد أن كل شيء ظل تحت إشراف النور. لقد ضُلِلَ المؤمنون بالنور، لكنه لا يزال يحب جميع مؤمنيه ويقدم لنا هداية النور. ومن خلال هذه المعجزة، تم اقتيادي إليك. لكي يتم إختيارك من قبل السيف المقدس، ولكي لا يفقد السيف المقدس نوره هنا….كل هذا هو إرادة النور. المهمة التي فشلنا في إنجازها قبل ثلاثمائة عام، أنتَ سـ—”
تابع يوجين، “ما يجب أن أقلق بشأنه الآن هو ما إذا كنت سآخذ رؤوس البابا والكرادلة الآخرين. الإمبراطورية المقدسة كبيرة جدا، ولا يمكنني تجاهل قواتها. أنا في نهاية المطاف بحاجة إليها للحروب القادمة. ومع ذلك، سوف أتأكد من أنهم لن يكونوا قادرين على القيام بمثل هذا القرف في المستقبل.”
قاطعها يوجين فجأة. “أنتِ وسيينا كتبتما القصة الخيالية معًا، أليس كذلك؟”
“…لم يكن باليد حيلة.”
توقفت انيسيه عن الكلام. أزالت يدها ببطء عن خد كريستينا، ثم نظرت إلى يوجين بعيون مصدومة. “ألا تعتقد أن هذا السؤال غير مناسب نوعا ما، بالنظر إلى المحادثة التي كنا نجريها، الجو والوضع برمته؟”
بعد الوقوف لفترة طويلة دون فعل شيء، بدأ يضحك بإكتئاب.
“هل يجب أن أبكي إذن؟” سأل يوجين.
“لقد فهمت هذا بالفعل، لذا إعتَذِري قبل أن تذهبي!” هدر يوجين، ممسكًا بيدها. “إعتذري عن وصفي بأنني معتوه أكبر من مولون! و.…و….تلك، الآن فقط، كانت المرة الأولى لي….”
القديسة كائن غير كامل. في كل مرة تجلب فيها معجزة، تظهر ندبة غير محفورة بيد بشرية على جسدها الصغير. على الرغم من أن الندبة هي بطول كف اليد فقط، إلا أن المتعصبين لم يشككوا أبدا في أن الندبات هي دليل على إيمانهم. من خلال وجود الندبات، اعتقدوا أن النور يعتني بهم وأن أفعالهم ليست غير أخلاقية.
أجابت انيسيه: “لا أريد أن أرى وجهك الباكي.”
“لكن ليس الأمر كما لو أنني أستطيع أن أغضب أيضًا. فعلت ما يكفي من ذلك في وقت سابق، و….قلتِ أنكِ لا تريدين أن ترَيني أبكي.” قال يوجين: “لا أريد حقًا البكاء أيضًا.” تذمر أثناء تحركه نحو انيسيه. “أعرف منذ ثلاثمائة عام أن هناك شيئًا فاسدًا مع الإمبراطورية المقدسة، وليس وكأنني توقعت أن يكون أقل من فسادٍ مطلق. ولكن ماذا يمكنني أن أفعل حيال ذلك؟ هذا هو الواقع.”
ولكن، كان لا يزال هناك ملكا شياطين في العالم، وستموت انيسيه قريبا.
“لكن ليس الأمر كما لو أنني أستطيع أن أغضب أيضًا. فعلت ما يكفي من ذلك في وقت سابق، و….قلتِ أنكِ لا تريدين أن ترَيني أبكي.” قال يوجين: “لا أريد حقًا البكاء أيضًا.” تذمر أثناء تحركه نحو انيسيه. “أعرف منذ ثلاثمائة عام أن هناك شيئًا فاسدًا مع الإمبراطورية المقدسة، وليس وكأنني توقعت أن يكون أقل من فسادٍ مطلق. ولكن ماذا يمكنني أن أفعل حيال ذلك؟ هذا هو الواقع.”
مد يده نحو انيسيه. “في النهاية، مُتِّ وصرتِ ملاكًا. كان اختيارك ألا تذهبي إلى الجنة. هناك إله، بعد كل شيء، والسماء حقيقية. هذا يكفي. حقيقة أن كريستينا هي استنساخك وأنكِ تسكنين فيها….لا يوجد شيء يمكنني القيام به حيال ذلك أيضا.”
“هممم.” زاوية فمها إلتفَّتْ بإبتسامة بينما نظرت انيسيه إلى يوجين. ثم قالت: “أرى أنك لا تزال كما كانت من قبل.”
“…..”
“هامل، لا تشعر بالندم. هذه ليست الجنة، لكننا تمكنا من لَمِّ شملنا هكذا. على الرغم من أنني لن أتمكن من مساعدتك مباشرة، أنا….كجزء من هذه الطفلة، يمكنني أن أباركك وأحميك في رحلتك.”
“كل هذا بالفعل مِنَ الماضي.” قال وهو يأخذ انيسيه بيده: “ومع ذلك، فإن مثل هذه الأشياء لن تحدث في المستقبل. بمجرد أن أقتل مَلِكَي الشياطين المتبقيَّين، لن تحتاج الإمبراطورية المقدسة بعد الآن إلى القديسة. إذا حاولوا خلق المزيد من القديسات في مثل هذا العالم، فسوف أنهي شخصيًا جميع المؤمنين بالنور في هذا العالم.”
نظر يوجين بهدوء في عيون انيسيه. من الصعب تحديد أي مشاعر في تلك العيون الزرقاء. كان الأمر كذلك في حياته السابقة. انيسيه لم تكشف عن نفسها بالكامل. بدلا من ذلك، ظلتْ دائما تدفن مشاعرها الحقيقية وراء ابتسامتها السميكة والمقدسة.
“…بففت.”
بعد إخفاقات لا حصر لها، ولدتْ نسخةٌ طبق الأصل شبه مثالية —- طفل مهجور في دير. أظهرت روحها كفاءةً وتناغمًا أكبر من التجارب الحالية. أُعطيَّتْ بقايا انيسيه، التي ظلت سرية للغاية، للنسخة المتماثلة، ولم تكن النتيجة فاشلة. أظهرت الطفلة، وهي نسخة من انيسيه، انسجامًا مثاليًا تقريبًا مع البقايا المقدسة.
تابع يوجين، “ما يجب أن أقلق بشأنه الآن هو ما إذا كنت سآخذ رؤوس البابا والكرادلة الآخرين. الإمبراطورية المقدسة كبيرة جدا، ولا يمكنني تجاهل قواتها. أنا في نهاية المطاف بحاجة إليها للحروب القادمة. ومع ذلك، سوف أتأكد من أنهم لن يكونوا قادرين على القيام بمثل هذا القرف في المستقبل.”
ضحكت انيسيه بينما تغطي فمها. “هذا يشبهك تمامًا، هامل.”
الفصل 196: ينبوع النور (8)
“أنتِ لم تُجيبي على سؤالي بعد. أنت وسيينا من كتب كتاب الأطفال ذاك، أليس كذلك؟ هممم؟ إذن، لماذا كنتُ الوحيد الذي كُتِبَ مثل غبيٍّ كامل؟” تذمر يوجين بينما يساعد انيسيه للوقوف على قدميها. نظر مباشرة إلى عينيها بينما يحثها على الإجابة. “لماذا أعطيتِني إسمًا لعينًا مثل هامل الغبي؟ هل كان عليكِ حقًا تعذيبي هكذا حتى بعد 300 عام؟ لماذا أنا الغبي؟”
“….آه….”
“هل تسأل حقا لأنك لا تعرف؟” سألت انيسيه.
“لقد كرهتُ هذه الأمة.” همست انيسيه. “لم أشعر أبدا بأي حب لها. في الواقع، أردت من الشياطين وملوك الشياطين أن يقضوا على هذا البلد تماما.”
“هل سأسأل إذا كنت أعرف؟ لا يهم كم أفكر في ذلك، فَـهذا لا معنىً له. لو أردتِ حقًا تسمية أي شخص بالغبي، فَـكان يجب أن يكون مولون، وليس أنا.” إعتقد يوجين ذلك حقا. هامل الشجاع، مولون الغبي — مثالي.
“…على الرغم من أعمال يوراس الرهيبة، شعرت أن الإله حقيقي. في نهاية المطاف جئت إلى الاعتقاد بأن المعجزات موجودة حقا. لقد احتقرت وجودي وكل شيء عني. بدا كل شيء مروعًا لي. لكنني أدركت أن العالم أكثر كارثية وإثارة للشفقة.”
“هممم.” زاوية فمها إلتفَّتْ بإبتسامة بينما نظرت انيسيه إلى يوجين. ثم قالت: “أرى أنك لا تزال كما كانت من قبل.”
“كانت قلعة ملك الحصار الشيطاني فظيعة. لم يكن مكانا مناسبا لِـفيرموث لأخذ زمام المبادرة. الشيء نفسه مع مولون، بالطبع، لأنه كان معتوهًا تمامًا. لو توجب على شخص ما أن يأخذ زمام المبادرة ويفتح الطريق….فقد كُنتُ أكثر ملاءمة للقيام بذلك. لا أريد التحدث عن ذلك الآن. لقد وافق الجميع حينها.”
“ماذا تقصدين بـ….” لكنه لم يُعطَ الفرصة لإنهاء كلامه. حيث صارت شفتاها فجأة أمامه وضغطت على شفتاه.
خضع المولود لجميع أنواع التجارب الرهيبة منذ سن مبكرة. حتى قبل أن تتمكن من المشي، أُحتُضِنَتْ في ينبوع النور، وأُجبِرَتْ على التشبث بلهب حياتها الوامض. بعد ذلك، تم زرع القليل المتبقي من رفات الإمبراطور المقدس في جسد الطفل شيئا فشيئا. العظام طُحِنت وغرقت في جروح الطفل، وتم حفر الدم بإستخدام سحر الدم في قلب الطفل.
قالت انيسيه: “لم يعيشوا طويلا أبدا.”
حاول التراجع بتفاجُئ، لكنه لم يستطِع. قبل أن يعرف ذلك، صارت ذراعاها ملفوفتان حول رقبته ومنعته من الحركة. انزلق لسانٌ من خلال شفتيه. نظر يوجين بعيون غير مُصَدِقة. بإمكانه فقط رؤية انيسيه تبتسم بعينيها.
“قبل كل شيء، السبب الأكبر لقلقي هو أنني أعرف أنني لن أعيش لفترة أطول. أنا بالفعل قريبة من الكمال، لكنني لستُ كاملةً حقا. كان مقدرًا لي أن أموت قبل مرور فترة طويلة، وأن أختفي وأصعد إلى الجنة.”
ثم بدأت تختفي.
“…فيوو.” انفصلت شفاههم بعد فترة. أطلقت انيسيه تنهيدة ودفعت صدره بعيدا. “هذا هو السبب في أنك غبي.”
“آه.”
تلك هي الكلمات الأخيرة التي نطقت بها انيسيه. وقف يوجين بغباء بينما إنهارت جسدها إلى جزيئات من الضوء. لكن الضوء لم يتلاشَ. بدلًا من ذلك، تغلغل في كريستينا.
“يرجى الإعتذار لسيينا نيابة عني. لا أعرف هل سَـتَتَفهمُ سيينا الأمر، ولكن ماذا ستفعل؟ أنا ميتة بالفعل.”
“آه….هاه؟ أواه….”
“هامل الغبي.” قالت انيسيه بينما تتلمس شفتيها قليلا بلسانها. “أنت، بطريقة ما، أغبى من مولون.”
ثم بدأت تختفي.
“في النهاية، ضحيتَ بنفسك، وهربتُ لأنني لم أرغب في التضحية بنفسي. هامل، أنا متقلبة جدا، ولم يكن هناك…..سبب خاص وراء خياري. كانت أشعة الشمس في الصحراء حارقة ومشرقة. لأقول لك الحقيقة، محاولة العثور على قبرك مثَّلت تحديًا. كانت سيينا في عزلة….أو بالأحرى، عُرِفَ أنها في عزلة، لذلك اضطررت للتجول في الصحراء، والتحسس من خلال ذكرياتي.”
اتسعت عيون يوجين. من الواضح أنها تَهرُب. لو إختفت بشكل طبيعي، لكان قد ذرف دموع الحزن، لكنه الآن، ليس في حالة يمكنه أن يشعر فيها بأي حزن.
يوجين ينظر إلى الأمام. الشمس تطل ببطء من سباتها من مسافة بعيدة.
“أوي، أوي!” صرخ.
“…..”
مع هذه المساعدة، حققت دراسة خلق التجسد المُقَلد تقدمًا كبيرًا. على وجه الخصوص، من بين الجوائز التي تم الحصول عليها من الصيد السحري، الأكثر قيمة هو سحر الدم. من خلال الجمع بين سحر الدم ونتائج الأبحاث الأخرى، ابتكرت يوراس طريقة لتلقيح القديسة بمزيد من القوة الإلهية.
“هذا ليس وداعًا، هامل. سأحميك من داخل الطفلة….”
ولكن، كان لا يزال هناك ملكا شياطين في العالم، وستموت انيسيه قريبا.
“لقد فهمت هذا بالفعل، لذا إعتَذِري قبل أن تذهبي!” هدر يوجين، ممسكًا بيدها. “إعتذري عن وصفي بأنني معتوه أكبر من مولون! و.…و….تلك، الآن فقط، كانت المرة الأولى لي….”
“هامل، لا تشعر بالندم. هذه ليست الجنة، لكننا تمكنا من لَمِّ شملنا هكذا. على الرغم من أنني لن أتمكن من مساعدتك مباشرة، أنا….كجزء من هذه الطفلة، يمكنني أن أباركك وأحميك في رحلتك.”
“أوه يا عزيزي….” تمتمت انيسيه وهي تهز رأسها بتعبير صادق من الأسف. “هل تعتقد أنها حقًا أول مرةٍ لك؟”
“….آه….”
“من فضلك تأكد من إخبار سيينا. أنا آسفة، ولكن هذا فقط هو كيف تسير الأمور.”
“أعتقد أن كل شيء ظل تحت إشراف النور. لقد ضُلِلَ المؤمنون بالنور، لكنه لا يزال يحب جميع مؤمنيه ويقدم لنا هداية النور. ومن خلال هذه المعجزة، تم اقتيادي إليك. لكي يتم إختيارك من قبل السيف المقدس، ولكي لا يفقد السيف المقدس نوره هنا….كل هذا هو إرادة النور. المهمة التي فشلنا في إنجازها قبل ثلاثمائة عام، أنتَ سـ—”
تلك هي الكلمات الأخيرة التي نطقت بها انيسيه. وقف يوجين بغباء بينما إنهارت جسدها إلى جزيئات من الضوء. لكن الضوء لم يتلاشَ. بدلًا من ذلك، تغلغل في كريستينا.
كريستينا لا تزال نائمة وعيناها مغمضتان. اقتربت منها انيسيه ولمست خد كريستينا برفق، ونظرت إليها بنظرة مليئة بالمعنى.
مد يده نحو انيسيه. “في النهاية، مُتِّ وصرتِ ملاكًا. كان اختيارك ألا تذهبي إلى الجنة. هناك إله، بعد كل شيء، والسماء حقيقية. هذا يكفي. حقيقة أن كريستينا هي استنساخك وأنكِ تسكنين فيها….لا يوجد شيء يمكنني القيام به حيال ذلك أيضا.”
ليست انيسيه فقط، أيضًا. ينبوع النور، مصدر الينبوع، وكل شيء من حولهم تناثر إلى ضوء. ارتفع ضوءٌ يتلاشى في سماء الصباح، وظلام الليل إنقشع أخيرًا. لقد بدا مشهدًا جميلًا حقًا، ولكن بدلًا من النظر لأعلى، ظل يوجين يداعب شفتيه بلطف.
“…تمامًا كما أنا مميزة، هذه الطفلة مميزةٌ أيضًا.”
القديسة كائن غير كامل. في كل مرة تجلب فيها معجزة، تظهر ندبة غير محفورة بيد بشرية على جسدها الصغير. على الرغم من أن الندبة هي بطول كف اليد فقط، إلا أن المتعصبين لم يشككوا أبدا في أن الندبات هي دليل على إيمانهم. من خلال وجود الندبات، اعتقدوا أن النور يعتني بهم وأن أفعالهم ليست غير أخلاقية.
“…هاه. ها….هاهاها….”
ضحكت انيسيه بينما تغطي فمها. “هذا يشبهك تمامًا، هامل.”
بعد الوقوف لفترة طويلة دون فعل شيء، بدأ يضحك بإكتئاب.
إذا قررت انيسيه أن تختفي، فلن يوقفها أحد في يوراس. في الواقع، غادرت انيسيه يوراس دون مواجهة أي مشاكل، ووصلت إلى صحراء نهاما.
---
ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن
أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات
